متابعة – أمل علوي
في خضم السباق المحموم بين عمالقة التكنولوجيا للهيمنة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، يجري سباق موازٍ – وإن كان أقل ظهوراً – في الخفاء، وهو سباق بناء البنية التحتية الهائلة التي تُشغّل هذه النماذج المتقدمة. لم يعد الأمر يتعلق فقط بالخوارزميات والبرمجيات، بل أصبحت القدرة الحاسوبية والطاقة الكهربائية هما العاملان الحاسمان في هذه المعركة.
تتجاوز الاستثمارات في هذا المجال تريليونات الدولارات. حيث قدّر جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، أن ما بين 3 إلى 4 تريليونات دولار سيتم إنفاقها على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بحلول نهاية هذا العقد. هذه الاستثمارات الضخمة تضع ضغوطاً هائلة على شبكات الكهرباء وتدفع قدرات الصناعة الإنشائية إلى أقصى حدودها.
شراكات عملاقة.. من يبني أساسات المستقبل؟
الاستثمار التاريخي: مايكروسوفت وأوبن إيه آي
كانت الصفقة التي أطلقت الطفرة الحالية للذكاء الاصطناعي في عام 2019، عندما استثمرت مايكروسوفت مليار دولار في OpenAI. جعلت هذه الصفقة مايكروسوفت المزود الحصري للخدمات السحابية لأوبن إيه آي. مع مرور الوقت، تطورت هذه الشراكة لتصل استثمارات مايكروسوفت إلى ما يقارب 14 مليار دولار، وهو استثمار ضخم بدأ يؤتي ثماره بشكل لافت.
صفقات غير مسبوقة: أوراكل تدخل حلبة المنافسة
في منعطف مذهل، كشفت وثائق هيئة الأوراق المالية الأمريكية في 30 يونيو 2025 عن توقيع أوراكل صفقة خدمات سحابية بقيمة 30 مليار دولار مع شريك لم يتم الكشف عن اسمه آنذاك، ليتضح لاحقاً أنه OpenAI. لكن الصفقة الأكثر تأثيراً جاءت بعد أشهر قليلة، في 10 سبتمبر، عندما أعلنت أوراكل عن صفقة مدتها خمس سنوات بقيمة 300 مليار دولار لتوفير القدرة الحاسوبية، من المقرر أن تبدأ في عام 2027. هذا المبلغ الفلكي لا يعكس فقط حجم الطموح، بل الإيمان المطلق بنمو هائل لمستقبل الذكاء الاصطناعي.
نموذج الشراكة الجديد: تزاوج الشركات الناشئة مع عمالقة السحابة
أثبتت شراكة أوبن إيه آي مع مايكروسوفت نجاحاً لدرجة أنها أصبحت ممارسة شائعة. فقد حصلت أنثروبيك على استثمار بقيمة 8 مليارات دولار من أمازون، بينما وقّعت جوجل كلاود شراكات مع شركات ناشئة أصغر مثل Loveable و Windsurf. حتى أن أوبن إيه آي عادت لتتعامل مع إنفيديا، حيث تلقت استثماراً بقيمة 100 مليار دولار لضمان حصولها على المزيد من وحدات معالجة الرسومات.
بناء مراكز البيانات العملاقة: التحدي الأكبر
بالنسبة لشركات مثل ميتا التي تمتلك بنية تحتية تقليدية ضخمة، فإن القصة أكثر تعقيداً وإن كانت بنفس القدر من التكاليف. فقد أعلن مارك زوكربيرغ أن ميتا تخطط لإنفاق 600 مليار دولار على البنية التحتية في الولايات المتحدة حتى نهاية عام 2028. يتم توجيه جزء كبير من هذه الاستثمارات لبناء مراكز بيانات ضخمة، مثل:
هايبريون (لويزيانا): مساحة 2250 فداناً، بتكلفة تقديرية تبلغ 10 مليارات دولار، وستوفر طاقة حاسوبية تقدر بـ 5 جيجاوات، مع ترتيبات مع محطة للطاقة النووية المحلية لتلبية الطلب الهائل على الطاقة.
بروميثيوس (أوهايو): من المقرر أن يبدأ العمل في عام 2026، وسيعمل بالغاز الطبيعي.
الكلفة البيئية: الوجه الآخر للطفرة
لا تأتي هذه المشاريع الضخمة دون تكاليف بيئية حقيقية. أصبح مركز البيانات الهجين ومحطة توليد الطاقة التي بنتها شركة xAI التابعة لإيلون ماسك في ممفيس، تينيسي، أحد أكبر مصادر انبعاثات المواد الكيميائية الملوثة للهواء في المقاطعة، بسبب اعتماده على توربينات الغاز الطبيعي.
“ستارجيت”: المشروع الأضخم على الإطلاق
بعد يومين فقط من تنصيبه الثاني، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن مشروع مشترك بين سوفت بنك وأوبن إيه آي وأوراكل، يهدف إلى إنفاق 500 مليار دولار لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. سُمي المشروع باسم “ستارجيت” ووصفه ترامب بأنه “أكبر مشروع بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في التاريخ”.
واجه المشروع شكوكاً منذ البداية، بما في ذلك من إيلون ماسك الذي شكك في توفّر التمويل. ومع هدوء الضجة الإعلامية، فقد المشروع بعض الزخم، لكن التقارير تشير إلى استمرار العمل في بناء ثمانية مراكز بيانات في أبيلين، تكساس، مع انتهاء بناء المبنى الأخير بحلول نهاية عام 2026.
خلاصة القول، أن معركة الهيمنة على مستقبل الذكاء الاصطناعي لا تُخاض في المختبرات فقط، بل وعلى أرضية مراكز البيانات العملاقة، وهي معركة تتطلب استثمارات تريليونية وتعيد تشكيل مشهد الطاقة والبيئة والاقتصاد العالمي.
هذا المحتوى تم باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.